يسلط المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في ورقة تقدير موقف حديثة حصلت الجزيرة نت على نسخة منها، الضوء على الانتخابات التشريعية التي ستجرى الشهر المقبل في مصر، ويبرز رهاناتها وانعكاساتها الكبرى وفق التطورات التي ينشدها البلد منذ الإطاحة برئيسه السابق محمد حسني مبارك.
وأشارت وحدة تحليل السياسات بالمركز التي أعدت الورقة إلى أن الدعوة لتنظيم انتخابات تشريعية في مصر في 28 نوفمبر/تشرين الثاني القادم تأتي وسط احتقان سياسي واجتماعي حاد كشفته حالة من التململ الشعبي واحتجاجات في مختلف أنحاء الجمهورية بعد أن طال أمد الفترة الانتقالية ولم يحدث أي تقدم على صعيد عدد من الملفات الحيوية.
وأكدت الورقة أن ما وقع مساء الاثنين 10 أكتوبر/تشرين الأول يمثل ذروة الاحتقان، حين تحولت وقفة احتجاج سلمية لمتظاهرين أقباط إلى اشتباكات أسفرت عن مقتل 25 شخصا وإصابة المئات، حسب بيانات وزارة الصحة.
وكشفت الحادثة عن مدى التدهور الحاصل في إدارة المرحلة الانتقالية برمتها، وأكدت مجددا على ضرورة الإسراع بنقل السلطة لإدارة مدنية منتخبة.
وترى الورقة أن قطاعات واسعة من الجماعة الوطنية المصرية تعول على الانتخابات التشريعية كمتنفس للاحتقان السياسي الذي يشهده الشارع، الذي ظل منذ قيام ثورة 25 يناير أحد أهم الفاعلين في المشهد السياسي المصري.
مجلس تأسيسي
وتشير الورقة إلى أن هذه الانتخابات تستمد أهميتها الكبرى من كونها ستأتي بمجلس تشريعي، من مهامه الأساسية انتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو لكتابة دستور جديد للبلاد.
وتتولى الجمعية التأسيسية إعداد مشروع دستور جديد للبلاد فى موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها، ويعرض المشروع، خلال 15 يوما من إعداده على الشعب للاستفتاء بشأنه، ويعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه في الاستفتاء".
وتطرقت ورقة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يعد الآن -وفق الإعلان الدستوري الصادر في 13 فبراير/شباط 2011- المؤسسة السياسية الأولى التي تحوز السلطة الفعلية في البلاد، وتقود العملية السياسية في المرحلة الانتقالية بعد أن تسلم ناصيتي التشريع والتنفيذ.
والواقع أن طريقة أداء المؤسسة العسكرية للمرحلة الانتقالية وعملية التحول الديمقراطي احتلت مساحة هامة من النقاش العام في مصر في الأشهر الثمانية التي تولى فيها الجيش السلطة.
وقد غلبت على النقاش شكوك وتساؤلات حول حقيقة أهداف الجيش وتوجهاته حيال عملية التحول الديمقراطي ودرجة مساندته لمطالب الثورة في التغيير، ولا سيما أن أداءه واستجابته لمطالب الثورة اتسما بما يوصف بـ"النمط التراكمي" وليس الثوري، وهو نمط استند على إصلاح بعض من عيوب النظام السابق وليس تبني معايير جديدة.
ووجهت أطراف عديدة من النخبة انتقادات إلى الجيش، واتهمته بإعادة إنتاج النظام القديم دون مبارك.
وقد مست الانتقادات الأداء السياسي للمجلس العسكري وانفراده بصنع القرار وإبداءه نهجا استبداديا في استخدام سلطاته التشريعية عبر إصدار سلسلة مراسيم، مثل تجريم الإضرابات والتجمع السلمي وإعادة العمل بقانون الطوارئ.
وكان آخرها قوانين الانتخابات التي جاءت على نقيض الإجماع الوطني بضرورة اعتماد نظام الانتخاب بالقائمة المغلقة فقط، في حين أصر المجلس العسكري على منح الثلثين للقائمة المغلقة والثلث للانتخاب بالنظام الفردي.
وأثار هذا الأمر جدلا كبيرا مع قطاع واسع من النخبة اعتبر أن المجلس لا يسعي إلا إلى إنتاج برلمان مفتت ضعيف لن يقدر على إصدار التشريعات اللازمة لإنجاز عملية التحول الديمقراطي ومراقبة ومحاسبة المجلس العسكري نفسه.
"أسوأ البدائل"
وتتخوف الورقة في سياق تحليلها وتشريحها للوضع السياسي في مصر من أن النظام المقترح والمتمثل في حزمة القوانين والتشريعات المعتمدة هو "أسوأ البدائل" –بإجماع المراقبين- لأنه يأخذ من نظامي الانتخاب الفردي والانتخاب بالقائمة عيوبهما معا.
فقد ساهم في عودة عناصر الحزب الوطني المنحل العارفة بقواعد اللعبة الانتخابية لمدة ثلاثة عقود من توظيف المال الانتخابي والعصبيات والبلطجة لحسم النتائج لصالحها، ولا سيما أن "قانون الفساد السياسي" الذي صادقت عليه الحكومة يقرر العزل فقط لمن تثبت عليه تهمة إفساد الحياة السياسية، مما يتطلب حكما قضائيا، وهو أمر قد يطول في ظل الأوضاع الحالية.
ومن ناحية أخرى، فإن نظام القائمة غير ذي فعالية في حال الأحزاب التي هي في مرحلة التأسيس الأولى. وبالتالي، فبدلا من أن يكون التنافس على برامج ورؤى سياسية ستطغى المصالح الفردية.
أما الأمر الآخر الأكثر أهمية فهو كون القانون الناظم للعملية الانتخابية قد أغفل وضع ضوابط تنظم بعضا من أهم الموضوعات المتعلقة بنزاهة وشفافية العملية الانتخابية، ومنها -على سبيل المثال- ما يتعلق بالتمويل الانتخابي وضرورة وضع سقف للإنفاق الانتخابي.
"كوتا" الأقباط
ونوهت ورقة تقدير الموقف بأن عامل الاصطفاف الطائفي ودوره في الانتخابات المقبلة، خصوصا أن أحد أبرز مطالب المتظاهرين الأقباط أمام ماسبيرو كان تحديد "كوتا" للأقباط في الانتخابات البرلمانية.
والواقع أن ثمة مخاوف جدية من أن يؤدي الاحتقان الطائفي في البلاد إلى التأثير على قرار الناخبين أو التصويت الطائفي في بعض الدوائر، ولا سيما مع الظهور القوي للجماعات ذات التوجهات الدينية المتشددة.
ومن الواضح أن تخصيص نسبة من المقاعد لفئة ما، إذا لم يؤد حقيقة إلى إلغاء التمييز المجتمعي ضدها، فهو سيساعد على إضعاف التمييز، خاصة إذا شرعت قوانين تجرم التمييز وتعاقب عليه بشدة.
وقد يكون من المهم مطالبة الأحزاب بضرورة وجود تمثيل عادل وقوي للمرأة والأقباط والشباب على قوائمها، وإلا فسيكون التمثيل رمزيا أو اسميا.
وترى الورقة أن التمثيل النوعي والعادل للمواطنين بمن فيهم الأقباط في قوائم الأحزاب والقوى السياسية هو من أهم الأبواب التي يمكن من خلالها كسر شوكة الاحتقان الطائفي إلى حد كبير.
أول انتخابات
إذن في يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني سيقترع الناخبون المصريون في أول انتخابات تشريعية عقب الثورة، تحت إشراف قضائي كامل وبنظام انتخابي مختلط ووسط حالة من عدم الاستقرار الأمني والمجتمعي.
واعتبر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في ورقة تقدير الموقف أن التحديات التي تواجه عملية الاقتراع عديدة، غير أن التحدي الأكبر هو كيفية مواجهة تقاليد انتخابية ترسخت خلال ما يزيد على ستة عقود -على الأقل- وحولت العملية الانتخابية من تنافس على البرامج والأفكار إلى تنافس بين أفراد والعائلات صاحبةَ النفوذ التقليدي والمال والقدرة على الحشد.
كما يجب أن تنصب الجهود في اتجاه أن تكون الانتخابات الأولى خطوة راسخة في بناء الجمهورية المصرية الثانية، وهي الجمهورية الديمقراطية.
المصدر الجزيرة
0 التعليقات
إرسال تعليق