ملف الجماعة الإسلامية والرئيس مبارك ملف مليء بالخبايا والأسرار أهم هذه الأسرار دور الشيخ الشعراوي في الوساطة بين الجماعة والرئيس مبارك حيث قام الشيخ بدور الوساطة بين مبارك والجماعة أكثر من مرة.
الوساطة الأولي كانت في عام 1987 وقتها ذهب الشيخ الشعراوي إلي الرئيس المخلوع وتحدث معه بخصوص قيادات الجماعة الإسلامية وعرض عليه الذهاب إليهم ليناقشهم في أفكارهم فوافق مبارك ولكن الشعراوي قال له أنا سأحاورهم فان اقتنعوا بفكري فسأخرج بهم من السجن وإن أقنعوني هم بفكرهم فسأبقي معهم داخل السجن طول حياتي ووافق مبارك علي كلام الشعراوي وأرسله إلي قيادات الجماعة الإسلامية بالليمان يبلغهم بأنه قادم لمناظرتهم.. هذه الوساطة لم تكن علي هوي بعض أفراد الجماعة بالليمان و باءت بالفشل بسبب قيام ثلاثة من قيادات الجماعة بالهروب من الليمان وكان منهم عصام القمري وخميس مسلم ومحمد الأسواني فيما سمي بالهروب الكبير وذلك لإفشال وساطة الشيخ الشعراوي وبالفعل لم تتم هذه الوساطة بسبب ذلك.
وفي شهادته علي تلك الواقعة يقول طارق الزمر القيادي البارز بالجماعة: "بلغنا ونحن في السجن أن الشيخ الشعراوي يريد أن يأتي إلينا فأرسلنا له والدي لنستبين الأمر فقال له الشيخ الشعراوي رحمه الله انه سيذهب إلينا ليناقشنا في قضيتين إذا اتفقوا معي علي رأيي فسوف أطالب بالإفراج عنهم وإذا رفضت الحكومة الإفراج عنهم سأظل معهم في السجن إلي أن أموت .. فسأله والدي وما القضيتان التي تريد أن تناقشهم فيهما فقال له الشيخ القضية الأولي هي التكفير أريد أن أعرف لماذا يكفرون الناس والقضية الثانية هي الخروج علي الحكام فهو مرتبط بإعداد عدة ولابد أن تكون هناك قدرة علي التغيير وإذا لم تكن هناك قدرة فلابد من الالتزام بالدعوة السلمية فرد عليه أبي قائلا يافضيلة الشيخ ليس هؤلاء من يكفرون الناس بل بالعكس والأصل عندهم أن كل الناس مسلمين وفي قضية الخروج علي الحاكم رأيهم هو نفس رأيك فقال له الشيخ إذا اتفقنا وأنا سأذهب إليهم في السجن".
أما عاصم عبدالماجد أحد القادة التاريخيين للجماعة فيقول: "الشيخ الشعرواي قال لنا عبر وسيط قضائي من رجال القضاء المشهورين في مصر ــ لن اكشف عن اسمه ــ إنه يتكلم مع مبارك مباشرة وانه سيأتي ويتم حوار بيننا وبينه لحل الإشكالية الموجودة بين الجماعة ومبارك ونحن رحبنا به بدون أي شروط مسبقة وقلنا له فليتفضل ويأتي وسنتحدث معه بكل صدق وصراحة وهذه المبادرة مبارك نفسه منعها من أن تكتمل عندما أدرك وعلم بأن الشيخ الشعراوي رحمه الله سيتوصل إلي حل سريع وهو لا يريد ذلك.
ويقول عبدالآخر حماد: "حكي لي الشيخ فؤاد قاسم أنه جاء ضباط امن الدولة في السجن عام 1987 وقالوا لنا إن الشيخ الشعراوي طلب من مبارك المجيء إليكم ومناظرتكم فماذا تريدون فجلسنا سويا وقررنا أن نطالب بالإفراج عن جميع الأخوة وتحسين الأوضاع داخل السجون وخارجها إلا أن الوساطة لم تكتمل.
أما علي الشريف عضو مجلس شوري الجماعة السابق فيقول إن فشل هذه الوساطة له اصل وقصة حيث إننا كنا دائما نعين مندوبا إداريا من أخوة الجماعة الإسلامية للتوسط بين الأخوة وإدارة السجن ينقل طلباتنا إليهم وينقل طلباتهم إلينا ويقوم بحل أي مشكلة بين الأخوة والإدارة وكان الأخ محمد ياسين همام هو المكلف بهذه المهمة في ذلك الوقت وكان قد أصابه الملل من هذه المهمة فطلب منا أن يستريح فترة ووافقنا علي طلبه ورفض كل أعضاء الجماعة الإسلامية تولي هذا الأمر فأسندنا المهمة إلي أخ من أخوة جماعة الجهاد.
وفي أثناء تولي هذا الأخ هذه المهمة توسط الشيخ الشعراوي رحمه الله بيننا وبين مبارك لحل الأزمة حلا جذريا فأرسل إلينا في سجن ليمان طرة يطلب منا الموافقة علي توسطه لحل الأزمة فأعطي مأمور السجن طلب الشيخ الشعراوي إلي المندوب الإداري لكي يعطيه لنا فذهب به مباشرة المندوب إلي جماعة الجهاد وأخبرهم بالموضوع وبعد أن أفشي سرنا جاء وأعطانا الطلب المقدم من الشيخ الشعراوي ، وبالتالي علم عصام القمري ومجموعته بخبر هذه الوساطة وعزموا علي إفشالها حيث كانوا يرون أنه لونجحت هذه الوساطة فسوف يخرج أكبر فصيل مجاهد من ساحة المعركة وبالتالي سوف تنكسر راية الجهاد في مصر وسوف تنفرد الحكومة بجماعة الجهاد وسوف توجه إليهم سهام الأمن وحدهم فعزموا علي إفشال هذه الوساطة بأي وسيلة ففكروا كثيرا ثم اهتدوا إلي فكرة الهروب من السجن وبالتالي ستضرب الوساطة في مقتل وتموت.
وفعلا بعد أن فوضنا الشيخ الشعراوي وقلنا له كل ما تتعهد به لمبارك نحن موافقون عليه قبل أن نعلمه ثقة فيك وفي أنك لن تجور علينا وبدا الشيخ الشعراوي وساطته ولكن قام عصام القمري ومن معه بالهرب ليلا من علي أسوار سجن ليمان طرة فانقلب الأمر رأسا علي عقب ونجحوا في إفشال الوساطة.
الوساطة الثانية للشعراوي بين الجماعة الإسلامية ومبارك كانت في عام 1989 وكان هناك مجموعة خارجة من الاعتقال وكان علي رأسهم أسامة رشدي أمير الجماعة بجامعة أسيوط وأثناء إتمام اجراءات الخروج المعتادة فوجئ المعتقلون بأن سيارة الترحيلات بدلا من أن تأخذهم إلي أمن الدولة بلاظوغلي كما هو المعتاد وجدوا أنفسهم داخل مبني المجلس الأعلي للشئون الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف ووجدوا في انتظارهم الشيخ الشعراوي والشيخ الغزالي بترتيب من وزير الأوقاف محمد علي محجوب الذي كان موجودا معهم أيضا في الجلسة ودار حوار بين الشيخ الشعراوي وأسامة رشدي الذي عاتب الشيخ الشعراوي قائلا له نحن نضرب ونعذب في السجون ليلا نهارا بسبب البيان الثلاثي الذي أصدرته في صحن جامع الأزهر ونحن لانبغي إلا الإصلاح وتطبيق شرع الله فبكي الشيخ الشعراوي بكاء شديدا وأخذوا يدعون علي الظالمين الذين يعذبون المسلمين ووعد بأنه سيتحدث مع الرئيس مبارك في هذا الشأن وسيوصل رسالتهم له وسيطالب بالمعاملة الحسنة لهم داخل السجون.
ويتذكر أسامة رشدي تلك الواقعة قائلا: «في 2 مارس 1989 تم أخذي من السجن مع بعض المعتقلين الآخرين وكان يفترض أن نذهب للمحكمة للنظر في تظلمنا من أمر الاعتقال. ولكننا فوجئنا أننا أخذنا لمجمع البحوث الإسلامية بدلاً من المحكمة. وأن الأمر قد أعد لتحسين صورة وزير الداخلية وقتها زكي بدر بعد أزمة حدثت في مجلس الشعب اشتبك فيها النائب الوفدي طلعت رسلان مع الوزير قبل أيام من هذا اللقاء. وفوجئنا بحضور الشيخ الشعراوي ـ رحمه الله ـ والشيخ الغزالي ـ رحمه الله ـ ووزير الأوقاف الدكتور محمد علي محجوب الذي كنت التقيته قبل ذلك مرتين».
وبعدما تكلم المشايخ طلب مني الوزير أن أتحدث. فقلت له كيف أتحدث وأنا قادم من السجن الذي دخلته وعذبت فيه بسبب الكلام، فألح علي فقلت له لقد تركت في السجن شباباً وأطفالاً يعذبون ويقول لهم الضباط إننا معنا فتوي بذلك من الشيخ الشعراوي والشيخ الغزالي. وذلك في إشارة لما سمي بالبيان الثلاثي الذي أصدره هؤلاء المشايخ في صحن الأزهر الشريف قبل شهرين من هذا اللقاء. وكان بين المعتقلين أطفال تقل أعمارهم عن العاشرة وكانوا ممن اعتقلوا في أحداث عين شمس في ديسمبر 1988 وكانوا يبكون في الليل من خوفهم من ظلام الزنزانة.
وهنا انتفض الشيخ الغزالي منددا بالتعذيب وذكر قول الله تعالي: «إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق»، وبين أنه لم يفت بهذا أبدا. وكذلك تكلم الشيخ الشعراوي وأنكر وذكر أن الله يدخر لنا ثواب ذلك، وكان ذلك بحضور ضباط مباحث أمن الدولة الذين يفترض أن يطلقوا سراحنا بعد اللقاء. ثم تكلمت عن البيان الثلاثي وما نسبوه لنا من اتهامات بتكفير الناس وغير ذلك وبينت بأن البيان استند لمزاعم صحفية غير صحيحة وأنه كان يجب التبين من أصحاب الشأن قبل الحكم عليهم. وأوضحت لهم أننا ليس لنا فهم خاص للإسلام بل نحن متبعون للكتاب والسنة بفهم سلف الأمة وعلمائها وأن عقيدتنا هي عقيدة أهل السنة والجماعة، وأننا لا نكفر أحدا من المسلمين بذنب ما لم يستحله وشرحت ذلك. فقال لي الشيخ الشعراوي: إذن نحن لم نقصدكم أنتم. فقلت له ومن غيرنا في السجون يا فضيلة الشيخ؟
ويتابع "رشدي" روايته قائلا: "مثل هذه الحوارات كانت مفيدة وكانت نافعة ولم تضر لأن الصورة التي كانت تنقل لهؤلاء المشايخ مشوهة ومغلوطة. فما هو وجه الإنكار علي مثل هذا الحوار الممتع رغم أنه لم ينشر رغم وجود كل الصحف الحكومية والتليفزيون الذي أبرز صورتي بدون صوتي في كل نشرات الأخبار في ذلك اليوم، وكذلك الصحف بدون الإشارة لكلمة مما قلته.
يقول عبدالآخر حماد كانت هذه الجلسة مثمرة إلي حد كبير إلا أن الأخوة فوجئوا في اليوم الثاني بالتناول الإعلامي الكاذب لهذه الجلسة حيث ذكر في الإعلام في ذلك الوقت أن الشيخ الشعراوي والشيخ الغزالي يقنعان قادة الجماعة الإسلامية بخطأ فكرهم ومنهجهم وأن قادة الجماعة اعترفوا بخطائهم وهذا لم يحدث في اللقاء فاغتاظ الإخوة غيظا شديدا من هذه الأكاذيب التي نشرت ولا أساس لها من الصحة وقرروا عدم التحدث مع الشيخ الشعراوي.
بعد هذه الجلسة بأيام كان هناك مجموعة أخري خارجة من المعتقل وعلي رأسها الدكتور محمود شعيب وكانوا قد علموا بما حدث مع زملائهم وقد صدرت لهم تعليمات بالتباطؤ والتلكؤ في الخروج لكي يتأخروا علي الشيخ الشعراوي الذي ينتظرهم في نفس المكان وبالفعل قامت هذه المجموعة بالتأخر الشديد أثناء خروجهم من المعتقل مما اضطر الشيخ الشعراوي إلي المغادرة ولكن بقي الشيخ الغزالي حتي وصلت المجموعة إلي مبني المجلس الأعلي للشئون الإسلامية واجتمعوا مع الشيخ الغزالي ودار حوار بينه وبين الدكتور محمود شعيب الذي قال له نحن لن نتحدث معك ليس لموقف منك وإذا أردت الحديث فنحن علي رأسنا عالم وهو الدكتور عمر عبدالرحمن فاذهب وتحدث معه وأداروا ظهورهم للشيخ الغزالي فغضب الشيخ غضبا شديدا وقال أنا لا أناظر من يفتي بالاغتيالات السياسية والذي يفتي بذلك فهو اعمي البصر والبصيرة.
يقول عبدالآخر حماد إن الأخوة لم يكن بينهم وبين الشيخ الغزالي شيء ولكن هم رافضون الفكرة نفسها وهي أن أمن الدولة يتحكم في المشايخ وانهم يأتون بهم ليتكلموا معهم بصورة أو بأخري، والشيخ الغزالي عليه رحمة الله له مواقف جيدة معنا وهو أفضل بكثير من علماء السلطة الذين كانوا يمشون في ركاب الحكام وكان يري أن الذي يفعله هو طريق الخير للإسلام ونحسبه مخلصا وليس مأجورا.
يكمل عبدالآخر: استغل العلمانيون هذه الواقعة وبدأوا في محاولة الوقيعة بين الشيخ الغزالي وبيننا ولكن الشيخ الغزالي بعد ذلك أحس بأنه كان يجب ألا يتخذ أداة ضد الشباب في تلك الفترة فبدا يغير من اتجاهه وبعد هذه الواقعة لم تتكرر مثل هذه الجلسات التي كان يرتبها ويديرها المحجوب وزير الأوقاف.
الوساطة الثالثة كانت في عام 1993 لجنة الحكماء وكانت هذه المرة من قيادات الجماعة الإسلامية بالليمان حيث أرسلوا إلي الشعراوي يطلبون فيها توسطه بينهم وبين مبارك وأنهم مستعدون للتفاوض مع مبارك شريطة التعامل معنا بطريقة أفضل وتم تبادل عدة رسائل بين قيادات الجماعة والشيخ الشعراوي وكانت مطالب القيادات كالتالي وقف المحاكمات العسكرية للمدنيين إرجاع المساجد التي صودرت من الجماعة الإسلامية إلي الجماعة مرة أخري وتمكينهم من الدعوة فيها والإفراج عن جميع المعتقلين الذين لم يحصلوا علي أحكام.
وبدأت اللجنة في العمل وكان يسميها قيادات الليمان بالفئة الثالثة لقوله تعالي "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهم"وعقدت اللجنة عدة اجتماعات مع عبدالحليم موسي وزير الداخلية في ذلك الوقت وشعروا منه بموافقة مبدئية في هذا الأمر.
يقول عبدالآخر حماد: دأت بعض الصحف تنفخ في النار وتقول إن الحكومة تستجيب لمطالب المتطرفين من ناحية أخري يبدوا أن الأمر لم يرق لمبارك وإن كنت شخصيا أشك في أن حسني مبارك لم يكن علي اطلاع بهذه الوساطة لأنه من المستحيل أن يجلس عبدالحليم موسي مع أحد لمناقشة قضية خطيرة كهذه دون إذن من حسني مبارك والذي يرجح لدينا أن مبارك كان موافقا علي وساطة الشعراوي بما فيها من مطالب ولكن جاءته تعليمات من أمريكا بأنه بقبوله وساطة الشعراوي بمثابة اعتراف بشرعيتهم فرفض وأقال عبدالحليم موسي ككبش فداء.
ويضيف عاصم عبدالماجد: هذه الوساطة أفشلتها أيضا الدولة وخرج وقتها رئيس الوزراء عاطف صدقي وقال لا حوار مع الإرهابيين وقتها سخرت منه بعض الصحف المنصفة وقالوا له أنت تحاور اليهود فما المانع أن تحاور أبناء الوطن وقام مبارك بعزل عبدالحليم موسي لأنه ظهر منه وقتها بأنه يريد أن يقبل هذه الوساطة.
الوساطة الرابعة عام 1995 أرسل الشيخ الشعراوي إلي قيادات الجماعة الإسلامية يقول لهم لو أطلقتم مبادرة لوقف العمليات العسكرية من داخل السجن فأنا سأطالب الحكومة أيضا بوقف الملاحقات المسلحة لكم ووقف الاعتقال وإذا رفضوا سأعلن براءتكم من هذا الصراع وسأحمل مبارك المسئولية.
يقول طارق الزمر الشيخ الشعراوي عليه رحمة الله كانت مواقفه معنا في السجن مواقف مشرفة بدءا من أول وساطة في عام 1987 الذي حاول فيها الإفراج عنا في إطار مبادرة زكية ولاقت قبولا منا جميعا إلي آخر وساطة له عام 1995 ولكن حسني مبارك كان حريصا علي استمرار المعركة والصراع المسلح لأنه كان مستفيدا فقد رأي في الصراع المسلح استمرارا للطوارئ الذي يقوي قبضته علي المجتمع ومن ثم سيستمر في أن يحكم إلي أن يموت ثم يورث ابنه الحكم وقد أجهض أكثر من عشر محاولات لوقف العنف حتي مبادرة وقف العنف الشهيرة للجماعة عام 1997 لم يوافق عليها بل فرضناها عليه لأنها كان دون قيد أو شرط ومن طرف واحد.
يكمل طارق الزمر: الشعراوي كان حريصا علي الوصول لصيغة لوقف العمل المسلح في إطار إلزام الدولة باحترام حقوق الإنسان والإفراج عن المعتقلين فهو كان يفكر بعقلية سبق فيها كل من فكروا في هذا المجال.
المصدر الموجز
0 التعليقات
إرسال تعليق